بقلم الباحث/ عبد العالي بوعجيلة العوكلي
ولد المجاهد الكبير محمد سعيد أبو نجوى المسماري بمنطقة ميراد مسعود في حوالي سنة 1890 ودرس في الجغبوب ، وحفظ القرآن الكريم ، وتفقه في الدين وبعد تخرجه تولى منصب شيخ زاوية ميراد مسعود وقد التحق المجاهد محمد ابونجوى بحركة الجاهد في سن مبكرة ، كما انه علم ببداية القتال بين الغزاة الطليان وأهالي مدينة بنغازي يوم 8 أكتوبر 1911 حتى هب مع بعض سكان منطقته لنجدة أهل مدينة بنغازي ، وقد اشترك في عدة معارك مثل : معركة السلاوي التي تمكن فيها المجاهدون من قتل عدد كبير من الجنود والضباط الطليان ، وفي مقدمتهم العقيد برناديس ، ومعركة النخلتين ومعركة قاريونس التي تمكن فيها احد المجاهدين برصاص بندقيته بإسقاط إحدى طائرات العـــــــــدو.
وبعد عدة شهور من القتال المستمر في مدينة بنغازي وضواحيها ، سافر المجاهد محمد ابونجوى إلى اجدابيا وشارك في إنزال الهزيمة في عدة معارك بالقوات الايطالية وطال غيابه عن عائلته بمنطقة ميراد مسعود وسافر ابنه (حمد) للبحث عنه ومر بطريقه بمنطقة طلميثة واخذ يسأل عن والده ولكن احد العملاء ابلغ عنه وتم القبض عليه وأودع سجن طلميثة لمدة ثلاثة أيام ثم نقل إلى سجن بنغازي الرئيسي .
وعندما انقطعت أخبار حمد بو نجوى سافر عمه موسى سعيد أبو نجوى للبحث عن شقيقه محمد وعن ابن شقيقه حمد ولكن ما أن وصل إلى مدينة بنغازي حتى تم القبض عليه ،واستقر به المقام في سجن بنغازي الرئيسي مع ابن أخيه محمد سعيد بونجوى وبعد عدة شهور نفي الاثنان إلى جزيرة اوستيكا . وبعد ثلاث سنوات أفرج عنهما فعادا إلى دور العواقير وهناك التقيا بالمجاهد محمد بونجوى وشقيقه حسن سعيد أبو نجوى فاشتراكا معهما في عدة معارك وقد استشهد حمد محمد سعيد ابونجوى في إحدى معارك الجشة وهو يقاتل بالسلاح الأبيض بعد أن نفذت ذخيرته كما استشهد حسن سعيد ابونجوى في معركة لاحقة بعد استشهاد ابن محمد ابونجوى بثلاث أيام من جراء القصف الجوي.
وقد عُرف المجاهد محمد سعيد أبو نجوى بشجاعته وإقدامه في ميدان الوغى(2) ،وقد تصدى بشجاعة منقطعة النظير لهجمات قوات الجنرال بونجواني في مناطق الشليظمية وكركورة، وغيرها من سلسلة معارك ملاحم الجهاد وقد صب الجنرال بونجواني جام غضبه وحنقه على المجاهدين محمد أبو نجوى وعبدالله قجة وعبد السلام الكزة وغيرهم من كبار قادة المجاهدين في منشوره الذي وجهه إلى المواطنين الليبيين بتاريخ 1-5- 1923 والذي اتهم فيه محمد ابونجوى ورفاقه بأنهم المسئولون عن تدهور الأوضاع بالبلاد واستمرار الحرب والقتال.
وعندما فشلت كل محاولات العدو للسيطرة على الجبل الأخضر ، وتحقيق نصر حاسم على المجاهدين لجأ إلى تكثيف غاراته الجوية على نجوع المجاهدين وأماكن تواجد عائلاتهم وقد أدت تلك الغارات التي استمرت عدة شهور إلى خسائر فادحة في الأرواح والموارد.
وأدرك العدو أن ضرباته كانت موجعه للمجاهدين فاخذ في شن هجمات شرسة ومتتالية على قواعد المجاهدين ودارت بين الطرفين معارك عنيفة كانت في معظمها انتصارات للمجاهدين ، وخاصة في سنة 1926 حيث اعترف بعض قادة العدو مثل الجنرال تشي بأنهم أمام عدو قوي وشجاع وعنيد ومتمرس على القتال .
ثم قرر العدو شن هجوم شامل على المجاهدين (3) وجهز أربع جيوش ضخمة لمهاجمة قاعدة المجاهدين بعقيرة الخيل الواقعة على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من قرية مراده ، وماهي إلا أيام قليلة حتى بدأت تلك الجيوش تتحرك في طريقها إلى العقيرة وأهلها .
وعلم كبار قادة المجاهدين بزحف ذلك الإخطبوط الرهيب وكان من بينهم عمر المختار ، ويوسف بورحيل . والشيخ عبد الحميد العبار ، وعصمان الشامي وحسين الجويفي ، ومحمد سعيد ابو نجوى وسعد العبد وعلى عبد الرحيم الدرسي ومحمد بك عسل ... وغيرهم فاخذوا يعدون العدة والثقة تملأ نفوسهم والإيمان يعمر قلوبهم لمواجهة تلك الجيوش الاربعة القادمة من عدة مناطق وبما أنهم كانوا يقاتلون كشعب وأمة ويتناوبون قيادة المعارك حسب طبيعة مواقع المعارك وبما أن العقيرة كانت بعيدة عن المناطق التي يجيد فيها كل من : عمر المختار ويوسف بورحيل والشيخ عبد الحميد العبار ومحمد سعيد ابونجوى وعصمان الشامي قيادة المعارك ومناورة العدو فقد تم الاتفاق بين الجميع على تكليف المجاهد حسين مفتاح الجويفي بقيادة المعركة القادمة .
وبدأ المجاهدون في تنفيذ تعليمات الجويفي بدقة متناهية فقد تم وضع الأطفال والنساء والعجزة في خنادق حفرت وسط العقيرة وأحيطوا بشباك معبأة بالصوف وبأثاث وأمتعه وغرائر ثم احيطوا بناطق من الإبل المعقلة ثم بدرع من المشاة المسلحين تسليحا جيداً وعلى مشارف العقيرة انتشر سلاح الفرسان المضاد للدروع بقيادة كل من سعد العبد ومحمد ابو نجوى .
وفي فجر اليوم العاشر من شهر أغسطس 1927 بدأ العدو في شن هجماته في ثلاثة محاور وبدأ المجاهدون في الدفاع والهجوم وقد أدركوا أنها معركة وجود أو فناء لهم ولعائلاتهم وان ساعات قليلة تفصل بين الوجود والفناء وعزموا وهم يقاتلون العدو على أن ينتصر الوجود على الفناء وقد شن فرسان السلاح الحربي بقيادة كل من سعد العبد ومحمد ابونجوى (4) عدة هجمات استشهادية على آليات العدو ودباباته وتمكنوا بشجاعتهم من إعطاب بعض الآليات وإشعال النيران في بعضها الأخر بأسلحة كانوا قد اغتنموها من بعض معاركهم السابقة مع العدو وتداخل مشاة المجاهدين مع مشاة العدو وتشابك بعض مقاتلي الطرفين بالسلاح الأبيض وتمكن المجاهد رمضان العبيدي من انتزاع راية القوات الايطالية من فوق إحدى الدبابات وسلمها لقائد المجاهدين .
لم تكن القوتان متكافئتان فالمجاهدون يقاتلون بالبنادق العادية والبنادق المضادة للدروع مشاة وعلى صهوات جيادهم .
وجنود العدو يقاتلون بالرشاشات والمدافع في طائرات وآليات ودبابات محصنة ولكن الشجاعة والإيمان يحققان المستحيل .....فبعد قتال عنيف استمر عدة ساعات بدأ التضعضع يظهر على قوات العدو وشعر قائد المجاهدين ببشائر النصر فزاد من ضغط قواته على قوات العدو وشعر قائد القوات الايطالية ببوادر الهزيمة فأمر قواته بالانسحاب فأخذ الجنود والضباط الطليان في الانسحاب دون نظام , وأثناء مطاردة فلول قوات العدو الهاربة أصيب المجاهد(5) محمد سعيد أبو نجوى بجراح بليغة , فأخذه المجاهد حسين مفتاح الجويفي إلي وسط العقيرة وأشرف على اسعافه وعلاجه وبقى إلي جانبه مدة ثلاث أيام إلي أن فاز بنعمة الشهادة متأثرا بجراحه البليغة فدفن في منطقة الشعفة .
وسيبقى اسم الشهيد محمد سعيد ابو نجوى المسماري مضيئا كالشهاب في عالم البطولة والجهاد .... إلي جانب أسماء حوالي مائتي شهيد من شهداء تلك المعركة.
وقد أشاد احد رفاق المجاهدين في الأبيات التالية بدورهم البطولي في تحقيق النصر في تلك المعركة التي عرفت بعدة أسماء منها عقيرة الخيل , وعقيرة ام الشفاتير , ويوم العقيرة , وعقيرة الدم بسبب كثرة ما سال في جنباتها من دماء من كلا الطرفين :-
يوم العقيرة أو وخذت البنديره
نهار أيجلي على الوجوه غبار
نهار أيزهي موحديث اتهي
نهار أيجدد على الوجوه أنوار
أو ناضت أكحيلة غصب عن باريلا
وخلت شضاوي الكرهبة فالدار
اوناضت اتغرف غصب عالمتصرف
اوعسكره عطبك عليه نهار
قائمقامي خش سوقا حامي
نهار المسامي يلعبو بالنار
طريق كراهب لاقطات مساهب
اليوم ياشومه ماهناك عذار
من حكومة جابها من روما
ايريدوا اخمام البيت والأبكار
لقيوا سرايا راكبات عرايا
دون الصبايا يحدروا عالنار
.................................................. ......................................
هــــوامش :
1- عن عدة لقاءات مع حفيد المجاهد ابونجوى الاخ المهندس:المختار حمد المختار المنفي
2- عن حديث مع حفيد المجاهد ابونجوى الأخ الأستاذ: خليل علي المسماري-بنغازي
3- يوسف سالم البرغثي – معركة ام الشفاتير- مجلة البحوث التاريخية _ السنة السادسة –العدد الاول-ص ص 7-19
4- محمد عبد السلام الشلماني –شيئ عن بعض رجال عمر المختار ص ص 35
5- عن لقاء مع كريمة المجاهد : فاطمة محمد ابونجوى اجري في مطلع شهر ديسمبر 2002
وقد تزوجها المجاهد الكبير عمر المختار بعد استشهاد زوجته سالمين محمد ابونجوى في معركة المحيريقة من جراء القصف الجوي ، وقد عرفت سالمين بلقب ((جبهة ))وقد ترك المجاهد محمد ابونجوى عند استشهاده ست بنات في رعاية شيخ المجاهدين وهن :سالمين –وامغلية –وامباركة –وفاطمة –وسالمة –ومبروكة
6- معنـى الأبيات:
لقد جاء العدو للسيطرة على العقيرة وأهلها ولكنه فوجئ بأبطال بواسل نلايترددون في اقتحام النار الحامية ،فانتصروا بفضل شجاعتهم وصمودهم وتصميمهم على تحقيق النصر ،وانتزعوا راية العدو من بين مخاله الحادة .
فما أجمل النصر وما أجمل ان تشرق وجوه المجاهدين وتسود وجوه ضباط العدو وجنوده وما أجمل ان يعود الجنرال باريلا خائبا ويتدمر جيشه رغم انفه وانف المتصرف الايطالي وما أجمل ان تتشتت قوات العدو وتندحر وتولى الأدبار دون ان تفذها آلياتها الضخمة التي جلبتها من كل مكان وما أجمل منظر حطام آليات العدو فوق ارض العقيرة.
لا يوجد حالياً أي تعليق