الشيخ سليمان سعيد العرفي "
من موقع الاديب سعيد العريبي
كان هذا الشيخ الجليل – شيخ قبيلة العرفة - يضمر العداء لإيطاليا .. ولا يتردد مطلقا في انتهاز الفرص السانحة لمساعدة عمر المختار ورفاقه .. وكان - كما يقول غراتسياني :
" عضوا في مجلس النواب .. وحاملا لوسام النجمة الإيطالية للمستعمرات ، برتبة ضابط .. وكان يرتدي ( برنوس ) الشرف الخاص بالنواب الليبيين .. وكنا نعتمد على آرائه ولم نفكر في يوم من الأيام أن يكون ضدنا ويتعاون مع الثوار على حساب ثقتنا فيه .. وكانت له الكلمة المسموعة من كل السكان ، من بنغازي إلى المرج .. يكنون له الاحترام والسيطرة المسموعة على مشاعرهـم .. ثم وشى به بعضهم وأصبح موضع شك .. ولذلك حكمت عليه المحكمة بالإعدام .. لأنه كان يستغل نفوذه ويتعاون مع الثوار على حساب ثقتنا فيه " 1
ومما يروى عنه أيضا : إنه كان يزود المجاهدين بالزاد والعتاد .. ويخبرهم بتحركات العدو ومخططاته وأساليبه .. وكان لهذه المعلومات ، فائدة كبيرة للمجاهــدين 2
إستدعاء
وصلت أخباره إلى سلطات الاحتلال .. فاستدعاه "غراتسياني " لمقابلته في مكتبه بمبنى متصرفية المرج .. وعندما حضر ، دار بينهما هذا الحوار :
غراتسياني : ــ كم عدد جنود عمر المختار .. ؟
الشيخ : ــ عددهم ( 500 ) مجاهد .
" وكان يعلم أن عددهم أقل من نصف هذا العدد "
غراتسياني : ــ ما هي أسلحتهم .. ؟
الشيخ : - لديهم أسلحة حديثة .
غراتسياني : ــ سأجعل تحت إمرتك ، ضعف هذا العدد من الجند المزودين بأحدث الأسلحة ، شريطة أن تقضي على المقاومة .. أو تجعل عمر المختار يترك البلاد مهاجرا .
الشيخ : ــ كيف لي أن أقاتله .. ؟ وقد فشل ضباط متخرجون من أكاديميات عسكرية ولهم خبرة في أساليب القتال .. وتحت قيادتهم جنود مدربون على الأسلحة الحديثة .. أنا لا أستطيع أن أقاتل عمر المختار .
غراتسياني : ــ سنزودك بكل ما تطلب .. وإذا لم تستطع هزيمته أو القبض عليه ، فيكفي أن ترغمه على أن يترك البلاد مهاجرا .
ولما رأى الشيخ إصرار "غراتسياني" على إقتراحه هذا ، أجابه بلا تردد : والله لو وجدت ( هجار ) 3 حصانه على الأرض ما أحضرته لكم .. فكيف تريدون مني أن أقاتله .
وعندما سمع منه "غراتسياني " هذا الجواب الصريح ، صدق ما تناقله الوشاة عنه فخاطبه قائلا : ــ لقد أصبحت يا سليمان تمثل خطرا على وجودنا ، في هذه المستعمرة .
الإعدام والترحيل
بعد هذه المقابلة بيومين .. أودع الشيخ سجن المرج ، وشكلت له محكمة سريعة أصدرت حكمها بمصادرة جميع أملاكه ، وإعدامه شنقا أمام الأهالي ببلدة طلميثة .
وحينما صعد منصة الإعدام ، وقف برباطة جأش وشجاعة نادرة وقال مخاطبا الأهالي : " اسمعوا يا إخوتي .. لا تثقوا في العدو إنه يكرهكم .. ويسعى إلى هلاككم والقضاء عليكم .. أستودعكم الله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون " .
ونفذ حكم الإعدام بهذا الشيخ البطل .. فعم السخط والقنوط واليأس جموع الأهالي .. واضطرب الأمن في المنطقة .. مما اضطر السلطات الإيطالية على إصدار أوامرها .. بترحيلهـم غربـا إلى ( بوترابه ) ليمكثـوا هناك ثلاثة أشهر .. وليرحلوا بعـد ذلك إلى معتقـل ( المقرون ) .
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ
لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } 4
هامش :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يعاد نشره بموافقة الكاتب .
1 – برقة الهادئة .. ص : ( 142 ) .
2 – من داخل المعتقلات : سعد محمد بوشعالة .. ص : ( 98 ) .
3 ــ ( الهجار ) ما يربط به الجواد .
4 ــ إبراهيم : ( 42 ) .
لا يوجد حالياً أي تعليق